“جائعون ويتجمدون من البرد والخوف في المخيمات”

يقول محمد حمزة مسؤول برنامج الإغاثة الإسلامية في إدلب، عن السبب الذي أدي لحصول الفيضانات الأخيرة التي فاقمت البرد والجوع والمعاناة في شمال غرب سوريا.

محمد حمزة ، مسؤول برنامج في الإغاثة الإسلامية، سوريا.

“لقد عدت لتوي من زيارة إلى المخيمات في إدلب لتقييم الأضرار التي لحقت بالناس بسبب الأمطار الغزيرة ولمساعدة المتضررين. إنه مشهد مرعب ومؤسف، دخل الماء لكل مكان وهربت النساء والأطفال من خيامهم، تركوها بما تحوي من مخزون طعامهم وملابسهم وفراشهم، وهربوا فقط بملابسهم المبتلة التي كانوا يرتدونها دون أخذ شيء آخر، وسط البرد القارس والجوع.”

“تحدثت إلى امرأة تُدعى أم يوسف قُتل زوجها مؤخرًا في هجوم بالطائرات. لقد فعلت كل ما في وسعها لإبعاد مياه الأمطار عن خيمتها، ووضعت الحجارة في قاع الخيمة لمنع دخول الماء في محاولة لحماية أطفالها الثمانية. كان عليها أن تستسلم في النهاية وصعدت للتل المجاور لخيمتها لتحتمي في خيمة أحد جيرانها.”

بدى عليها علامات اليأس والإرهاق كباقي سكان المخيم. قالت لي: “أستطيع تحمل فقدان منزلي مرة أخرى، لكني بحاجة للطعام كأولوية قصوى لأطفالي الصغار.”

تحصل على وجبة فقط في اليوم أو أقل. وأحيانًا يكون كل ما لديها هو فتات من الخبز والشاي الساخن لإعالة أسرتها.

قمنا بزيارة مخيم الأصدقاء الذي يضم 208 عائلة (حوالي 1000 شخص). دُمرت غالبية الخيام بما تحوي من إمدادات غذائية وبطانيات ومراتب.

كانت الأمطار الغزيرة أكبر مما كان متوقع على سكان هذا المخيم الذين يعيشون في فقر مدقع في خيام واهية مصنوعة من الأغطية البلاستيكية.

ليس لديهم أي عمل ولا دخل، ويعتمدون كُليًا على المنظمات الإنسانية في تدبر أمورهم.

تحول المخيم إلى مستنقع، حيث يناضل الناس من أجل المقدرة على التنقل فيه. ليس لدى الناس إمدادات المياه الخاصة بهم، والعديد منهم غير قادرين الآن على الوصول إلى خزانات المياه النظيفة في المخيم.

يتفاقم الوضع بسبب جائحة كورونا، وكذلك الأزمة الاقتصادية المتدهورة في سوريا، والتحديات التي تواجه المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا

مع تزايد الاحتياجات تصبح مساعدة الناس أكثر صعوبة

نزور المخيمات كل يوم لنفعل ما في وسعنا، ولكن من المحزن أنه لا يمكننا توفير سوى بعض المواد الطبيعية لتنشيف التربة من الماء ولتسهيل تنقل الناس في المخيم. لا يمكننا تغيير وضعهم. علينا أن نفعل ما في وسعنا لجعل حياتهم أسهل قدر الإمكان.

لقد وزعنا هذا الشهر مواد وقسائم مواد شتوية ومواد تدفئة على أكثر من 60 ألف شخص، لحمايتهم من البرد.

منذ أن بدأت الأمطار الغزيرة، قمنا بتوزيع 200 خيمة و 500 مجموعة من المراتب والأغطية البلاستيكية والبطانيات، و 1000 وجبة جاهزة للفئات الأكثر ضعفًا.

هناك حاجة ماسة للمزيد من الأموال للتمكن من الوصول إلى المزيد من الناس والقدرة على توفير ظروف معيشية أفضل.

في كل مرة نصل فيها إلى مخيم جديد، تطلب منا العائلات القدوم لرؤية خيامهم المدمرة. بصفتي أبًا لثلاثة أطفال، يمكنني أن أتخيل كيف يشعر هؤلاء الآباء، حيث أنهم غير قادرين على حماية أطفالهم من البرد والمطر.

ومما يزيد من سوء الوضع انهيار الوضع الأمني. وكذلك حالة النزوح المتكررة.

لديهم مخاوف لا تكاد تتركهم ليل نهار أنهم سيضطرون إلى النزوح مرة أخرى، بسبب الوضع الأمني الغير مستتب. لا أستطيع أن أصف كم هو مرهق هذا الشعور. لقد نزحت أنا وأهلي أربع مرات.

تخرجت من كلية الاقتصاد بجامعة حلب عام 2011، وكنت أتطلع إلى الذهاب إلى المملكة المتحدة لدراسة الماجستير في العام التالي.

لكن أحلامي تضاءلت، حيث وقع هجوم أثناء سفري إلى المطار في ضواحي دمشق. وتصاعدت حدة القتال وأصبحت المنطقة بأكملها تحت الحصار والقصف بالبراميل المتفجرة. عشنا ما يقارب 18 شهرًا في ظل الموت، وكنا نعيش على بقايا الطعام الذي نجده في الشوارع أو أوراق الأشجار.

عدت أخيرًا إلى حلب، حيث بدأت العمل في الإغاثة الإسلامية، وقد نزحت عدة مرات منذ ذلك الوقت، كان آخرها العام الماضي إلى قرية صغيرة بالقرب من الحدود مع تركيا.

فكرت عدة مرات في الانتقال إلى تركيا من أجل حياة أكثر أمانًا، لكن في كل مرة كنت أُحدث نفسي إذا ذهبت فمن الذي سيساعد هؤلاء الأشخاص الذين تُركوا بلا حول ولا قوة؟

في كل يوم أعود إلى بيتي الآمن وأرى أطفالي سعداء وغير معرضين للبرد ويتغذون جيدًا، فأشكر الله كثيرا على هذه النعمة.

لكن ينفطر قلبي عندما أرى أن الكثير من الآباء لا يستطيعون توفير الأمان والدفء لأطفالهم. أفكر في وضع كحال أم يوسف وطفلها الصغير الذي التقيت به اليوم الذي لم يلتق والده أبدًا ولم يتعرف عليه.

وهذا ما يدفعني إلى ذلك. غدًا، سأكون هناك مرة أخرى ولكني آمل ألا يكون الأمر دائمًا على هذا النحو؛ أتمنى مستقبل أكثر إشراقًا للشعب السوري الذي عانى كثيرًا.